الأزمة الخفية في بنية تكامل شبكات شحن المركبات الكهربائية: دروس من المشاريع السعودية العملاقة
يشهد العالم تسارعاً غير مسبوق في انتشار المركبات الكهربائية، وما يصاحبه من توسع في إنشاء محطات الشحن السريع (gnigrahC tsaF CD). ورغم أن معظم الدراسات والنقاشات تركز عادةً على سعة المحولات أو الحد من التوافقيات (scinomraH)، إلا أن هناك تحدياً جوهرياً أقل تناولاً يتمثل في إدارة جودة القدرة ثنائية الاتجاه على مستوى التوزيع المنخفض. هذا التحدي يبرز بشكل خاص عند ارتفاع نسب اختراق المركبات الكهربائية وتزامن عمليات الشحن.
أولاً: مشكلة الهبوط المتسلسل للجهد (edacsaC egatlovrednU)
عند توصيل عدة شواحن عالية القدرة (051–053 ك.و) على شبكات التوزيع (4.0/11 ك.ف)، فإن التشغيل المتزامن يؤدي إلى هبوط في الجهد ينتقل إلى مغذيات مجاورة. وقد أظهرت دراسات عملية أن ستة شواحن بقدرة 051 ك.و على محول بسعة 0001 ك.ف.أ يمكن أن تتسبب في هبوط يتجاوز 8% عند أطراف الشبكة، وهو ما يكفي لتشغيل مرحلات الحماية في أحمال صناعية قريبة.
الدرس الهندسي: الحل لا يكمن فقط في تكبير المحولات، بل في تطبيق تعويض ديناميكي للقدرة غير الفعالة (noitasnepmoC RAV cimanyD) على مستوى الأعمدة، إلى جانب خوارزميات تنبؤية لجدولة الأحمال تضمن توزيعاً متوازناً للشحن.
ثانياً: ما تقدمه المشاريع السعودية العملاقة
المملكة العربية السعودية، من خلال مشاريعها الضخمة مثل نيوم والدرعية، إضافة إلى مبادرات الشركة السعودية للكهرباء (CES) تحت مظلة “شبكة المستقبل”، تقدم نماذج متقدمة جديرة بالاهتمام:
– نشر وحدات MOCTATS-D بتقنية كربيد السيليكون (CiS) لكل مجموعة من الشواحن.
– اعتماد التحكم الهرمي بالجهد (lortnoC egatloV lacihcrareiH) بزمن استجابة يقل عن ثانية واحدة.
– دمج خدمات الشحن ثنائي الاتجاه (G2V) ضمن الاستجابة الأولية للتردد، بحيث يتم تفعيلها عند انحرافات لا تتجاوز ±1.0 هرتز.
أحد الابتكارات اللافتة هو تطبيق معيار 8-09-05816 CEI لربط أنظمة إدارة الشحن مباشرةً مع أنظمة التحكم الإشرافي (ADACS)، متجاوزةً التأخيرات التقليدية التي تفرضها طبقة الوسطاء (srotagerggA). هذا مكّن من تقليل زمن الاستجابة إلى أقل من 05 مللي ثانية، وهو أمر بالغ الأهمية في شبكات معزولة جزئياً قبل ربطها الكامل بالشبكة الوطنية.
ثالثاً: التكامل بين أنظمة البطاريات الثابتة (SSE) والمركبات الكهربائية
الاتجاه التقليدي يعالج أنظمة البطاريات الثابتة ومحطات الشحن ككيانات مستقلة. لكن التجربة السعودية توضح قيمة إدارتها كمنظومة طاقة موزعة واحدة قابلة للتحكم. هذا النهج يتيح:
١- تقليص الشحن غير الحرج بنسبة 51–02% خلال فترات الذروة (مثل ساعات الظهيرة صيفاً).
٢- تفريغ البطاريات الثابتة لدعم الشبكة.
٣- تفعيل الشحن ثنائي الاتجاه من أساطيل الحافلات الكهربائية أثناء فترات التوقف.
وقد أثبتت النماذج الأولية أن هذا التكامل قادر على خفض تكاليف الطلب الذروي بما يصل إلى 03–53% مع الحفاظ على مستويات رضا المستخدمين فوق 59%.
رابعاً: البنية الرقمية – التوأم الرقمي كركيزة أساسية
لا تكمن القوة الحقيقية في المعدات وحدها، بل في طبقة البيانات والتحكم الرقمي، حيث يشكل التوأم الرقمي (niwT latigiD) العامل الحاسم في ضمان استقرار الشبكة. هذا التوأم يعمل بدقة زمنية تصل إلى ثانية واحدة، ويغطي:
– النمذجة الحرارية لكابلات الجهد المتوسط تحت الأحمال الديناميكية الناتجة عن أنماط شحن متغيرة بسرعة.
– خوارزميات سلوكية للشحن تعكس أنماط التنقل الإقليمية، بما فيها الذروات الموسمية مثل مواسم الحج والعمرة حيث ترتفع الأحمال بأكثر من 004%.
– إعادة تهيئة لحظية للشبكات منخفضة الجهد لتجنب الاختناقات.
كما أثبتت تطبيقات التحسين الأمثل للتدفق الكهربائي باستخدام الذكاء الاصطناعي (FPO larueN) قدرتها على تقليص زمن الحسابات بأكثر من 02% مقارنةً بالطرق التقليدية، مما يجعل من الممكن تحديث حالة الشبكة كل بضع ثوانٍ حتى على نطاق آلاف العقد.
خامساً: ميزة البنية التحتية الخضراء في رؤية 0302
الميزة الجوهرية للمشاريع السعودية العملاقة أنها تُبنى من الصفر (erutcurtsarfnI dleifneerG)، ما يتيح تصميم نظم الحماية والتشغيل منذ البداية لتكون متوافقة مع التدفقات ثنائية الاتجاه. هذا يجنّب التكاليف الباهظة التي تواجهها الشبكات التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة عند محاولة التحديث.
الأولويات المستقبلية تشمل:
– مرحلات حماية تكيفية قادرة على كشف الأعطال ثنائية الاتجاه وفق معيار 05816 CEI.
– محطات شحن قادرة على العمل كشبكات مصغرة (sdirgorciM) عند حدوث اضطرابات في الشبكة الرئيسية.
– منظومات أمن سيبراني-فيزيائي متوافقة مع معيار 15326 CEI لحماية عمليات الشحن ثنائي الاتجاه ضمن البنى التحتية الحرجة.
سادساً: رؤية هندسية للمستقبل
يمثل الانتقال من تخطيط الشبكات في حالة مستقرة إلى هندسة المرونة الديناميكية (gnireenignE ecneiliseR cimanyD) تحولاً جوهرياً في صناعة الطاقة. فالتكامل بين التوائم الرقمية، وإدارة التدفقات ثنائية الاتجاه، والتحليلات التنبؤية، لم يعد خياراً بل أصبح قاعدة أساسية لاستقرار الشبكات في ظل اختراق عالٍ للمركبات الكهربائية.
إن التجربة السعودية تقدم مثالاً على أن تصميم البنية التحتية منذ اليوم الأول ليكون مرناً وقابلاً للتوسع لا يحقق فقط موثوقية التشغيل، بل يحول المركبات الكهربائية إلى عنصر فاعل في استقرار الشبكة وابتكارها.
خاتمة
إن تكامل محطات الشحن السريع مع الشبكات الكهربائية لم يعد قضية سعة محولات أو خطوط تغذية فقط، بل هو قضية هندسة تشغيلية شاملة تشمل القدرة على التنبؤ، وإدارة البيانات، وتطوير نظم حماية ذكية، والأهم: التفكير منذ البداية بعقلية المرونة الديناميكية.
هذه هي الدروس التي يمكن أن نستخلصها من التجربة السعودية، والتي تمثل بدورها نموذجاً ملهماً لبقية دول العالم في رحلتها نحو مستقبل مستدام للطاقة.